خطبة الرسول في حجة الوداع
حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع في العام العاشر من الهجرة بعد أن أتم أعمال الدعوة وإبلاغ رسالة الله وجمع راية المسلمين. وتوفي الرسول صلى الله عليه وسلم بعدها بأشهر قليلة في شهر ربيع الأول من العام الحادي عشر من الهجرة. وعندما أعلن النبي الكريم عن نيته لهذه الحجة المبرورة، وانتشر الخبر بين الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى الحج هذا العام، توافد الناس كثيرًا يبتغون الحج مع رسول الله وأن يأتموا به.
لماذا سميت بحجة الوداع؟
عُرفت هذه الحجة بحجة الوداع حيث ودع فيها نبي الله صلى الله عليه وسلم أصدقائه وصحابته، وكان يقول للحجاج معه من المسلمين والصحابة “يا أيها الناس خُذُوا عَنِّي مناسكَكم، فإني لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بعد عامي هذا.” كما قال رسول الله لمعاذ ابن جبل لما بعثه إلى اليمن“ يا معاذ إنك عسى ألا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري.” كما ودع النبي صلى الله عليه وسلم الناس في خطبة الوداع واوصاهم بدينهم وتبليغ أحكام ربهم إلى من غاب عنها.
قصة حجة الوداع
خرج الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام في الخامس والعشرين من ذي القعدة من المدينة المنورة باتجاه مكة المكرمة، فلما وصل ميقات ذي الحليفة، فاغتسل للإحرام، وادهن تطيب، ولبِس إزاره ورداءه، ثم صلّى العصر في المسجد ركعتين، وأهل بالحج والعمرة قارنًا، وواصل السير وهو يلبي قائلاً “لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ، لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ، وَالْمُلْكَ لا شَرِيكَ لكَ” إلى أن وصل إلى ذي طوى؛ بالقرب من مكة فنزل وبات فيه ليلة الرابع من ذي الحجة، ثم صلّى بالمسلمين صلاة الفجر، واغتسل، ودخل مكة وتوجه إلى الكعبة فمسح الحجر الأسود ثم بدأ بالطواف، ثم توجه إلى مقام إبراهيم عليه السلام، وقرأ قَوْل الله تعالى “وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبراهِيم مصلى” وصلّى ركعتين، وبعدها سعى بين الصفا والمروة وقرأ ” إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّـهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ” ولم يحل من إحرامه لأنه كان قارنًا وأقام الرسول الكريم وصحابته فى مكة أربعة أيام.
التروية وعرفة
في يوم التروية اليوم الثامن من ذي الحجة توجه الرسول وصحابته إلى منى، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر وأمر أنا تقام له في نمرة بالقرب من جبل عرفات قبة فسار حتى نزل بنمرة ومكث قليلاً حتى زوال الشمس فطلب ناقته القصواء وتحرك بها حتى وصل إلى بطن وادي عرنة وقد اجتمع حوله الآلاف من المسلمين، فقام فيهم خطيباً وألقى الخطبة الجامعة يذكرهم فيها بأصول الدين وقواعد الإسلام ويوصيهم خيرًا.
تعرف على المدينة المنورة ومكانتها التاريخية لدى المسلمين
نص خطبة الوداع
“أيها الناس، اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً، إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث وكان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذَيْل وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من ربانا ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله.
فاتقوا اللّه في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة اللّه، واستحللتم فروجهن بكلمة اللّه، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مُبَرِّح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف.
وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب اللّه.
قم بزيارة عمرة مي واحصل على افضل الاسعار لرحلتك القادمة
أيها الناس، إنه لا نبي بعدي، ولا أمة بعدكم، ألا فاعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، طيبة بها أنفسكم، وتحجون بيت ربكم، وأطيعوا ولاة أمركم، تدخلوا جنة ربكم. “
ثم قال وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فرفع إصبعه السبابة إلى السماء قائلًا “اللهم أشهد” ثلاث مرات.
وبعد أن فرغ الرسول الكريم من الخطبة نزل عليه قوله تعالى ” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا” ثم أذّن المؤذن، وأقام الصلاة، وصلّى الرسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالناس الظهر والعصر جَمْعاً. ثم توجه بعدها إلى جبل عرفات فاستقبل القبلة وبقي به حتى غروب الشمس.
مزدلفة ومنى
توجه الرسول صلى الله عليه وسلم بعدها إلى المزدلفة قبل طلوع الشمس فصلى رسول الله عليه الصلاة والسلام بالمسلمين المغرب والعشاء جمعًا ثم نام، وصلى الفجر وتوجه إلى المشعر الحرام وبقي واقفاً حتى طلعَ الصبح، وانتشار الضوء ثم بدأ في التوجه إلى منى ولم يتوقف عن التلبية وطلب من عبدالله بن عباس رضي الله عنه بالتقاط سبع حصيات من الطريق وعند وصوله إلى منى رجم جمرة العقبة راكبا بسبع حصيات، وكان يكبر الله مع كل جمرة، ثم توجه إلى المنحر، ونَحر الهَدي بِيده الشريفة وخطب بالناس يبلغهم بعظمة يوم النحر وفضله وحرمة مكة والأشهر الحلم. ثم حلَق شعره بعدها، وتوجه بعدها إلى مكة، وأدى طواف الإفاضة، وصلاة الظهر، ورجع إلى منى، فبات فيها، وفي اليوم التالي عند الظهيرة بدأ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم برجم الجمرة الصغرى والوسطى وجمرة العقبة في كل جمرة بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة. وأقام الرسول في منى باقي أيام التشريق، يعلم الناس المناسك ويذكر الله.
وفي اليوم الثالث عشر، توجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى خيف بني كنانة وأقام هناك بقيّة يومه وليلته، فصلّى الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ونام قليلاً، ثم توجّه إلى مكة، وطاف طواف الوداع، ثم عاد إلى المدينة المُنوَّرة، بعد أدائه مناسك الحج.
وعُرفت حجة الوداع بعد أسماء أخرى منها حجة الإسلام وحجة البلاغ والتمام لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أتم الرسالة في هذه الحجة بعد تعليمه للناس شعائر ومناسك الحج.